بعد أن كانت بورشه مدفوعة بديناميكية السوق الصينية لفترة طويلة، تشهد الآن تراجع نفوذها في مواجهة صعود العلامات التجارية المحلية. وتدرس العلامة التجارية الألمانية، رمز الفخامة في صناعة السيارات الغربية، التخلي عن عروضها الكهربائية في الصين، في ظل انخفاض مبيعاتها بشكل حاد.
كانت السوق الصينية لفترة طويلة محرك النمو بالنسبة للمصنعين الغربيين، تشهد الآن تغيرات سريعة، حيث تعمل العلامات التجارية المحلية على مضاعفة نماذجها الكهربائية شديدة التنافسية، ما يجعل شركة بورشه ومثيلاتها من الشركات الغربية تكافح لإيجاد مكان لها في المشهد المتغير للسيارات.
شهد عام 2024 انخفاض لمبيعات بورشه في الصين بلغ نسبة 28%، حيث باعت 79,283 سيارة على مدار العام. وقد تفاقم هذا الاتجاه في بداية عام 2025، مع انخفاض مذهل بنسبة 42% في الربع الأول، ليصل إجمالي عدد المركبات المباعة إلى 9471 مركبة فقط.
ويتناقض هذا بشكل صارخ مع العصر الذهبي لعام 2021، عندما كانت الصين تمثل ما يقرب من ثلث مبيعات العلامة التجارية العالمية بواقع 95,671 وحدة. ولم يعد استياء الجمهور الصيني يسلم من شريحة السلع الفاخرة، وهي الشريحة التي كانت تهيمن عليها العلامات التجارية الأجنبية تاريخيا.
شهد معرض شنغهاي للسيارات تقديم عشرات الطرازات الجديدة، التي تتميز بالتكنولوجيا المتطورة والأسعار التنافسية، وبعيدًا عن تقديم نماذج كهربائية جديدة، اختارت بورشه عرض سلسلتين محدودتين من طراز 911، محاطتين بنماذج قديمة وشعار: “لا يوجد بديل”. وهي استراتيجية تبدو وكأنها تتعارض مع التوقعات الحالية في السوق الصينية.
تعمل الشركات الصينية على جذب العملاء بمركبات كهربائية متقدمة تكنولوجياً وأكثر سهولة في الوصول إليها، مع أسعار منخفضة لا يمكن منافستها ، مثل شركتا Xiaomi وBYD ، حيث باعت شركة شاومي 137 ألف وحدة من سيارتها السيدان الكهربائية SU7 في عام واحد، وهو ما يزيد على ضعف إجمالي مبيعات بورشه في الصين.
لم يستبعد أوليفر بلوم، الرئيس التنفيذي لشركة بورشه ومجموعة فولكس فاجن، خلال معرض شنغهاي للسيارات 2025، فكرة إزالة النماذج الكهربائية بالكامل من مجموعة بورشه في الصين خلال العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة.
تعتبر السيارتين Taycan و Macan الكهربائية من الطرازات الرائدة في التحول الكهربائي للشركة الألمانية العريقة، إلا أنهما يواجهان صعوبة في الإقناع من حيث الحجم، وحتى السعر ، فلم تعد السيارات الغربية مثالا للتطور التكنولوجي والجودة كما في السابق.
السيارات الصينية ليست أكثر قوة فحسب، بل وأقل تكلفة أيضاً ، مثل طراز Xiaomi SU7 Ultra الذي تبلغ قوته 1548 حصاناً والذي يبلغ سعره 72.600 دولار، مقارنة بـ 126 ألف دولار لطراز Taycan الأساسي الذي تبلغ قوته 402 حصان.
تفضل بورشه إبقاء الأسعار مرتفعة بدلاً من الدخول في حرب أسعار تعلم أنها ستخسرها مقدماً، ويؤكد أوليفييه بلوم: بورشه لا تسعى وراء الأحجام، وتعتزم الحفاظ على صورة علامتها التجارية من خلال معايير القيادة الخاصة بها، بدلاً من التنافس المباشر مع الشركات المصنعة الصينية.
وعلى النقيض من أودي، وبي إم دبليو، ومرسيدس، التي تعمل على تطوير نماذج محددة للصين لتلبية الطلب المحلي، فإن بورشه لم تتكيف، في الوقت الراهن، مع استراتيجية منتجاتها، والنتيجة إتساع الفجوة لصالح المنافسة المحلية المتطورة والمتصلة بشكل متزايد.
سوق السيارات الصيني شديدة التنافسية، حيث تتضمن كل سيارة الآن القيادة الذاتية، والشاشات العملاقة، والذكاء الاصطناعي، ومجموعة كبيرة من الأدوات تتراوح من الثلاجات إلى مقاعد التدليك، يبدو أن بورشه تتمسك بنهج كلاسيكي لم يعد يجذب المستهلكين الصينيين الشباب، ومازالت تريد استعمال إرثها العريق للترويج لسياراتها، وهي لا تنجح في جذب عملاء جدد خاصة من الشباب.
وأكد بو يو، مدير شركة الأبحاث “جاتو ديناميكس”، على هذه النقطة قائلاً: “إن مفهوم بورشه باعتبارها علامة تجارية ذهبية لا يعني شيئاً بالنسبة للجيل الأصغر سناً في الصين”.
ومع ذلك، لا يزال أوليفييه بلوم واثقا. وبالنسبة له، لا تتنافس بورشه بشكل مباشر مع العلامات التجارية الصينية مثل شاومي ويانغوانج: “إنها سيارات رائعة”، كما قال، لكنها تفتقر إلى “متعة القيادة” ،
لكن هنا تكمن المشكلة، في عصر التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والقيادة الذاتية، هل مازال العملاء يبحثون عن متعة القيادة وسماع صوت العصافير ؟
ملاحظة:كل التصريحات المذكورة في المقال مصدرها وكالة رويترز للأنباء.
